يثير سقوط نظام بشار الأسد تساؤلات جدية حول مستقبل النفوذ الإيراني في سوريا، واحتمالية لجوء طهران إلى استراتيجيات جديدة لإعادة ترسيخ موطئ قدم لها في هذا البلد ذي الأهمية الجيوسياسية. تتناول هذه الورقة تقدير موقف حول السيناريوهات المحتملة، مع التركيز على احتمالية إشعال إيران لصراع داخلي في سوريا على غرار تجربتها في العراق بعد عام 2003.
التحليل:
يرجح خبراء ومحللون سياسيون لجوء إيران إلى استغلال حالة الفراغ السياسي والأمني التي قد تنجم عن سقوط نظام الأسد، وذلك من خلال دعم وتسليح ميليشيات موالية لها بهدف زعزعة الاستقرار وإشعال فتيل حرب أهلية، على غرار ما فعلته في العراق. تأتي هذه التوقعات في ظل تحذيرات أمريكية مباشرة، نقلها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، كإجراء استباقي لمنع أي محاولات إيرانية لإنشاء ممرات لنقل الأسلحة إلى سوريا.
الرؤى والتحليلات:
- الاستراتيجية الإيرانية: يرى فرهاد صادق، الخبير في الشأن الإيراني، أن طهران تعتمد على البراغماتية في التعامل مع القضايا الخارجية ذات البعد الجيوسياسي، وتفضل أسلوب “الحروب بالوكالة” لتجنب المواجهة المباشرة مع خصومها. ويؤكد أن إيران لن تتقبل خسارة نفوذها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وأن مشروع “الهلال الشيعي” يمثل جزءًا من استراتيجيتها، وقد تُعيد توظيفه بأبعاد جديدة.
- التحركات الأمريكية: يوضح المعارض السياسي أحمد الأبيض أن الولايات المتحدة تدرك أهمية المرحلة المقبلة في المنطقة، وتسعى لاتخاذ إجراءات استباقية لتحجيم النفوذ الإيراني. ويشير إلى أن التدخلات الإيرانية في العراق كانت سببًا رئيسيًا في الاضطرابات الأمنية والحروب الأهلية التي شهدها هذا البلد. ويؤكد أن إيران ستحاول تأجيج الصراع في سوريا لإشغال المجتمع الدولي وتخفيف الضغوط عليها.
- تطويع الميليشيات: يرى الخبير الاستراتيجي باسم السامرائي أن إيران قادرة على إعادة تشكيل الميليشيات الموالية لها في الدول التي تعاني من اضطرابات، وقد تلجأ إلى استخدامها لفرض نفوذها في سوريا، خاصة إذا تمكنت من إنشاء جسر بري لتزويدها بالأسلحة. ويشير إلى أن التوترات الطائفية والتعددية في سوريا تُعيد إلى الأذهان التجربة العراقية. إلا أنه يستدرك بأن طهران قد تصطدم بمتغيرات الساحة الدولية وتحركات الدول الكبرى.
- السيناريوهات المحتملة: يرى أستاذ السياسة الدولية ليث العاني أن جميع الاحتمالات مفتوحة أمام إيران للعودة إلى سوريا، ولو بشكل محدود، لكنه يشير إلى أن روسيا قد لا توافق على سيناريو فوضوي طويل الأمد. ويؤكد أن إيران ستواجه مقاومة دولية قوية في حال حاولت إشعال حرب أهلية، خاصة من تركيا والولايات المتحدة.
النقاط الرئيسية:
- الهدف الإيراني: الحفاظ على النفوذ الإقليمي بأي ثمن، ومنع أي فراغ استراتيجي قد تستغله قوى أخرى.
- الوسائل المحتملة: دعم الميليشيات، تأجيج الصراعات الطائفية، استغلال حالة عدم الاستقرار.
- التحديات التي تواجه إيران: المقاومة الدولية والإقليمية، تغير المواقف الدولية، الوضع الداخلي الإيراني.
- التدخلات السابقة: سجل إيران في التدخل في شؤون دول المنطقة (العراق، لبنان، اليمن) يوفر نموذجًا لفهم سلوكها المحتمل.
الخلاصة والتوصيات:
يُعد احتمال لجوء إيران إلى تأجيج الصراع في سوريا بعد سقوط نظام الأسد سيناريو واردًا يجب أخذه بعين الاعتبار. يتطلب ذلك مراقبة دقيقة للتحركات الإيرانية، وتنسيقًا دوليًا وإقليميًا لمنع أي تصعيد للصراع. من الضروري أيضًا دعم جهود بناء مؤسسات الدولة السورية بشكل يضمن تمثيل جميع مكونات الشعب السوري، ويُفوت الفرصة على أي محاولات لزرع الفتنة والتقسيم. من المهم أيضًا:
- تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الدول المعنية: لمواجهة أي محاولات لتهريب الأسلحة أو دعم الميليشيات.
- دعم الحلول السياسية الشاملة في سوريا: التي تضمن استقرار البلاد ووحدة أراضيها.
- ممارسة الضغوط الدبلوماسية على إيران: لمنعها من التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.
- دعم جهود إعادة الإعمار والتنمية في سوريا: للمساهمة في تحقيق الاستقرار ومنع عودة الصراعات.
يجب على المجتمع الدولي أن يكون على أهبة الاستعداد للتعامل مع جميع السيناريوهات المحتملة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تدهور الوضع في سوريا وحماية المنطقة من صراعات جديدة.