دراسة تحليلية حول الإجراءات المالية الجديدة لتعزيز الإنفاق الدفاعي في الاتحاد الأوروبي
مقدمة
في ظل التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجهها أوروبا، خاصة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في 14 فبراير 2025 عن اقتراح تفعيل بند “الإعفاء للاستثمارات الدفاعية”. يهدف هذا البند إلى إعفاء الإنفاق الدفاعي من القيود المالية المفروضة بموجب ميثاق الاستقرار والنمو، مما يسمح للدول الأعضاء بزيادة استثماراتها العسكرية بشكل كبير.
السياق التاريخي والإطار القانوني
يأتي هذا الاقتراح في إطار الجهود الأوروبية لتعزيز القدرات الدفاعية في مواجهة التهديدات الجيوسياسية المتصاعدة. بموجب ميثاق الاستقرار والنمو، تلتزم الدول الأعضاء بالحد من العجز الحكومي إلى أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وإبقاء نسبة الدين العام أقل من 60% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، أدت الأزمات الأخيرة، بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، إلى مطالبات متزايدة بمراجعة هذه القيود.
خلال جائحة كوفيد-19، تم تعليق القواعد المالية مؤقتاً لتمكين الحكومات من توجيه الموارد لدعم الاقتصادات المتضررة. وقد شكلت هذه السابقة أساساً للمطالبات الحالية بتفعيل بند الإعفاء للاستثمارات الدفاعية، خاصة في ظل الحاجة الملحة لتعزيز القدرات العسكرية الأوروبية.
تفاصيل الاقتراح وشروطه
أكدت فون دير لاين أن تفعيل البند سيتم “بطريقة خاضعة للرقابة ومشروطة”، وسيرافقه حزمة من الأدوات المالية المصممة خصيصاً لمعالجة الوضع الفريد لكل دولة عضو. ومن المتوقع أن يستفيد من هذا الإجراء ثماني دول أعضاء تواجه حالياً إجراءات العجز المفرط، وهي: بلجيكا، فرنسا، المجر، إيطاليا، مالطا، بولندا، رومانيا، وسلوفاكيا.
التحديات والفرص
يتطلب تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية استثمارات ضخمة تقدر بنحو 500 مليار يورو خلال العقد المقبل. ووفقاً لفون دير لاين، فإن زيادة الإنفاق الدفاعي من أقل من 2% إلى أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي سيتطلب استثمارات إضافية تصل إلى مئات المليارات من اليورو سنوياً.
من ناحية أخرى، تجري مفاوضات بين حلفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يضم 23 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، لرفع هدف الإنفاق الدفاعي من 2% إلى مستوى أعلى. ومن المقرر الإعلان عن القرار النهائي في قمة تعقد في لاهاي في يونيو 2025.
التمويل والآليات المقترحة
لتمويل هذه الاستثمارات، تدرس المفوضية الأوروبية عدة خيارات، بما في ذلك تعديل قواعد الإقراض التي يطبقها بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) والبنوك الخاصة. كما أشارت فون دير لاين إلى أن تغيير تفويض بنك الاستثمار الأوروبي سيشجع القطاع المصرفي الخاص على زيادة استثماراته في القطاع الدفاعي.
بالإضافة إلى ذلك، تطالب عدة دول أعضاء، مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، بإصدار “سندات اليورو” لتمويل تعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية. ومع ذلك، تواجه هذه الأداة معارضة شديدة من الدول المقتصدة، مثل هولندا وألمانيا، التي ترى فيها مخاطر مالية محتملة.
الكتاب الأبيض للدفاع والقمة المقبلة
من المقرر أن تقدم المفوضية الأوروبية كتابها الأبيض حول الدفاع في 19 مارس 2025، والذي سيحدد القدرات العسكرية التي يجب على الاتحاد الأوروبي الاستثمار فيها بشكل جماعي، بالإضافة إلى الآليات المالية الموصى بها. ومن المتوقع أن يتم التوقيع على هذه الخيارات خلال قمة الزعماء الأوروبيين في يونيو 2025.
الخلاصة
يعكس اقتراح تفعيل بند الإعفاء للاستثمارات الدفاعية تحولاً جوهرياً في السياسة المالية الأوروبية، حيث يتم إعطاء الأولوية للأمن القومي على القيود المالية التقليدية. ومع ذلك، فإن نجاح هذا الاقتراح يعتمد على التوصل إلى توازن بين الحاجة إلى تعزيز الدفاع والحفاظ على الاستقرار المالي.
في ظل التحديات الجيوسياسية الحالية، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يسير نحو عصر جديد من التعاون العسكري والمالي، مما قد يعيد تشكيل المشهد الأمني الأوروبي في العقود المقبلة.