أمن أوروبا على المحك: المستشار الألماني يشجب التدخل الأمريكي في الانتخابات
ميونيخ تشهد مواجهة دبلوماسية حادة بين الحلفاء التقليديين
في كلمة قوية ومباشرة خلال مؤتمر ميونيخ للأمن يوم 15 فبراير 2025، وجه المستشار الألماني أولاف شولتس رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة، رافضاً أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية لألمانيا، وذلك رداً على تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس التي دعا فيها إلى فتح الباب أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
قال شولتس: “نحن وحدنا من يقرر مستقبل ديمقراطيتنا.. نحن ولا أحد آخر”. وأضاف بلهجة حازمة: “هذا التدخل غير لائق، خاصة بين حلفاء وأصدقاء يفترض أن يجمعهم الاحترام المتبادل”. كما أشار شولتس إلى زيارة فانس السابقة لمعسكر اعتقال “داخاو” النازي، مؤكداً أن جرائم الهولوكوست لا تزال ذكرى مؤلمة تدفع الألمان إلى رفض أي تمجيد أو تبرير للنازية، وهو ما يتناقض مع مواقف بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل “البديل من أجل ألمانيا”.
وشدد شولتس على أن “اليمين المتطرف يجب أن يبقى خارج دائرة صنع القرار السياسي”، مؤكداً أن تعاون حكومته مع هذه القوى غير وارد تحت أي ظرف. وأضاف: “لا يمكن التوفيق بين الالتزام بعدم تكرار مآسي الماضي ودعم من يقللون من شأنها”.
أوكرانيا وحرب الإرادة الدولية
على هامش المؤتمر، أثارت التصريحات الأمريكية حول أوكرانيا جدلاً واسعاً. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد أن بلاده تواجه تحديات هائلة، مشيراً إلى أن “فرصة بقاء أوكرانيا ضئيلة دون دعم الولايات المتحدة”. ومع ذلك، طالب زيلينسكي بمشاركة أوروبا الفاعلة في أي مفاوضات سلام مستقبلية، قائلاً: “أوروبا يجب أن تكون شريكاً كاملاً في جهود منع الحروب وبناء السلام”.
لكن زيلينسكي أبدى تشكيكه في وجود خطة سلام أمريكية جاهزة، خاصة بعد تصريحات نائب الرئيس فانس التي أشارت إلى إمكانية إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا إذا عرقلت روسيا المفاوضات. من جهته، نفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف علمه بأي اجتماعات مرتقبة مع ممثلين روس في المؤتمر، مؤكداً أن موسكو لا تزال ترفض العودة إلى مجموعة السبع، واصفاً إياها بـ “مجموعة فقدت أهميتها”.
توترات الحلفاء وانقساماتهم
تصريحات نائب الرئيس الأمريكي فانس لم تلق ترحيباً في موسكو فقط، بل أثارت أيضاً قلق الحلفاء الأوروبيين. فبينما دعا فانس الدول الأوروبية إلى المشاركة في مفاوضات إنهاء الحرب، أثارت المحادثات الهاتفية غير المنسقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مخاوف من استبعاد أوكرانيا وأوروبا من أي اتفاق مستقبلي.
وفي المقابل، أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر دعم بلاده الكامل لأوكرانيا، مشيراً إلى أن “أوكرانيا تسير على مسار لا رجعة فيه نحو الانضمام إلى حلف الناتو”. هذا الموقف البريطاني يتناقض مع تصريحات ترامب الذي وصف انضمام أوكرانيا إلى الناتو بأنه “غير واقعي”، مما يعكس انقساماً واضحاً داخل التحالف الغربي.
تأجيل المفاوضات واتفاقيات المواد الخام
في تطور آخر، تم تأجيل اللقاء المقرر بين الرئيس الأوكراني زيلينسكي ونائب الرئيس الأمريكي فانس، وسط تقارير عن تقديم أوكرانيا مسودة اتفاقية بشأن المواد الخام إلى الولايات المتحدة. ووفقاً لمصادر مقربة من الوفد الأوكراني، فإن كييف عرضت منح واشنطن حق الوصول إلى رواسب المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا مقابل زيادة الدعم العسكري.
خلاصة
مؤتمر ميونيخ للأمن هذا العام كشف عن تصدعات عميقة في العلاقات بين الحلفاء التقليديين، خاصة بين أوروبا والولايات المتحدة. في وقت تواجه أوروبا تحديات أمنية وسياسية غير مسبوقة، يبدو أن الثقة المتبادلة بين الطرفين تتآكل، مما يضع مستقبل التعاون الأطلسي على المحك. وفي خضم هذه التحديات، تظل الحاجة إلى وحدة الموقف الدولي تجاه الأزمات العالمية، مثل الحرب في أوكرانيا، أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.