المقدمة
شهد مؤتمر ميونيخ للأمن لعام 2025 تصعيداً في التوترات بين الحلفاء التقليديين، حيث أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس رفضه القاطع لأي تدخل أجنبي في الانتخابات الألمانية المُقبلة، وذلك رَدّاً على تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس التي دعت إلى دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا. جاء ذلك في إطار نقاشات أوسع حول مستقبل الصراع الأوكراني ودور الحلفاء في تحقيق السلام. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أبعاد هذه التصريحات وانعكاساتها على العلاقات الأطلسية والأوروبية-الأمريكية.
رفض التدخل الخارجي: الموقف الألماني
في خطابه يوم 15 فبراير 2025، أكد شولتس على مبدأ السيادة الوطنية بقوله: “نحن ولا أحد آخر نقرر مستقبل ديمقراطيتنا”، منتقداً محاولات التأثير الخارجي على العملية الانتخابية الألمانية المزمع إجراؤها في 23 فبراير 2025. وأشار إلى تناقض تصريحات فانس مع قيم التحالف، خاصة بعد زيارة الأخير لمعسكر اعتقال “داخاو” النازي، حيث تعهد بعدم تكرار جرائم الهولوكوست. وربط شولتس بين هذا الموقف ودعم حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني، الذي يُقلل من جرائم النازية، مؤكداً أن “التعاون مع اليمين المتطرف مستحيل”.
أوكرانيا بين المطالب الأوكرانية والمفاوضات الدولية
من جهته، عبّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن تشكيكه في وجود خطة سلام أمريكية جاهزة، رغم إعلان البيت الأبيض عن محادثات ثلاثية مع روسيا وأوكرانيا. وأكد زيلينسكي أن مفاوضات السلام ستكون “صعبة للغاية”، مشترطاً مشاركة أوروبا الكاملة فيها. وفي سياق متصل، كشفت مصادر أوكرانية عن تأجيل لقاء زيلينسكي مع فانس في ميونيخ، فيما أشارت تقارير إلى تقديم كييف مسودة اتفاق لتصدير المواد الخام إلى الولايات المتحدة مقابل دعم عسكري، بما في ذلك منح واشنطن حق الوصول إلى موارد المعادن النادرة بأوكرانيا.
الانقسامات الأطلسية: الولايات المتحدة وأوروبا
أثارت المكالمة الهاتفية غير المنسقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مخاوف أوروبية من استبعاد كييف والقارة العجوز من مفاوضات السلام. وفي تعليقٍ لافت، دعا فانس الدول الأوروبية إلى الانضمام للمفاوضات، لكن تصريحات ترامب السابقة التي وصف فيها انضمام أوكرانيا إلى الناتو بأنه “غير واقعي” تعكس انقساماً داخل التحالف الغربي.
الموقف الروسي والعودة إلى مجموعة السبع
رفض الكرملين دعوة ترامب لعودة روسيا إلى مجموعة السبع، واصفاً المجموعة بأنها “فقدت أهميتها” بعد استبعاد موسكو عام 2014 عقب ضم القرم. كما انتقد المتحدث الرسمي للكرملين ديمتري بيسكوف تصريحات فانس حول إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا، واصفاً إياها بـ “عناصر جديدة” تستدعي توضيحات واشنطن.
المسار الأوكراني نحو الناتو: التضارب الغربي
أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر دعم بلاده “المستمر” لانضمام أوكرانيا إلى الناتو، واصفاً المسار بأنه “لا رجعة فيه”، في تناقض صريح مع الموقف الأمريكي. وجاء هذا التأكيد بعد موافقة الحلفاء الغربيين عام 2024 على دعم كييف في سعيها للانضمام إلى التحالف، رغم تحذيرات ترامب من أن روسيا “لن تقبل ذلك أبداً”.
الاستنتاجات
كشف مؤتمر ميونيخ للأمن 2025 عن تصدعات عميقة في التحالف الأطلسي، حيث تتصاعد التوترات بين الموقف الأوروبي الرافض للتدخل الخارجي والسياسة الأمريكية المُتقلبة تجاه أوكرانيا. في حين تسعى أوروبا إلى تعزيز دورها في مفاوضات السلام، تتعامل الولايات المتحدة بمنطقٍ فردي يهدد بتهميش الحلفاء. تبقى القضية الأوكرانية اختباراً حاسماً لوحدة الغرب، خاصة مع استمرار التناقضات بين الدعم العسكري والمناورات الدبلوماسية.
- المراجع الضمنية
تصريحات رسمية من مؤتمر ميونيخ للأمن 2025. - بيانات حكومية ألمانية وأمريكية وأوكرانية.
- تقارير إعلامية من “وول ستريت جورنال” و”بلاتفورم إكس”.
هذه الدراسة تُقدم تحليلاً شاملاً للتفاعلات السياسية في مؤتمر ميونيخ، مع الحفاظ على السياق الأصلي وتفاصيله دون إغفال أي عنصر من النص المقدم.