مقدمة صادقت الحكومة الألمانية مؤخرًا على مشروع قانون يقيد لمّ شمل العائلات للاجئين الحاصلين على الحماية الفرعية، ويمدد فترة انتظارهم إلى عامين، إضافة إلى إلغاء مسار التجنيس السريع الذي كان يهدف إلى تسهيل اندماج فئات معينة. هذا القرار يعكس تحولًا في السياسة الألمانية تجاه اللجوء، مشيرًا إلى نهج أكثر صرامة، مشابه للسياسات التي طُبقت بين عامي 2016 و2018.
السياق السياسي والتشريعي جاء هذا التشديد في سياسة اللجوء بمبادرة من وزير الداخلية ألكسندر دوبرينت، ويُنظر إليه كمؤشر على التغيير السياسي في البلاد منذ تولي المستشار المحافظ فريدريش ميرتس رئاسة الحكومة. وقد تعهّدت الحكومة الجديدة مرارًا بفرض قيود صارمة على الهجرة واللجوء، لا سيما في ظل التحولات السياسية الأخيرة في سوريا وتولي حكومة جديدة مقاليد السلطة هناك.
الوضع القانوني والإنساني للسوريين على الرغم من المستجدات، لم تصدر الحكومة الألمانية قرارًا رسميًا يعتبر سوريا “بلدًا آمنًا”، مما يضع عشرات الآلاف من السوريين الحاصلين على الحماية المؤقتة في حالة عدم استقرار قانوني، دون وضوح بشأن مستقبلهم في ألمانيا. هذا القرار يؤثر على حوالي 400 ألف شخص يقيمون بموجب الحماية الفرعية، منهم نحو 70% من السوريين، الذين فروا من الاعتقال والقمع والتجنيد الإجباري وويلات الحرب.
التبريرات الرسمية وردود الفعل الحقوقية تبرر الحكومة الألمانية القرار الجديد بأنه “إجراء تنظيمي ضروري”، بينما يرى حقوقيون وناشطون أنه يزيد تعقيد الوضع الإنساني لآلاف الأسر السورية، ويعكس توجهًا غير مباشر للضغط على هذه الفئة للعودة الطوعية أو البقاء في حالة عدم استقرار قانوني طويل الأمد. رغم أن السوريين أثبتوا قدرتهم على الاندماج والمساهمة الفعالة في سوق العمل والمجتمع المدني، إلا أن قرار تجميد لمّ الشمل يعكس تضييقًا إضافيًا على أوضاعهم القانونية والاجتماعية.
قصص فردية تعكس المعاناة الجماعية تظهر تداعيات هذا القرار من خلال قصص واقعية مؤثرة، مثل خالد، الفتى البالغ من العمر 14 عامًا، الذي وصل إلى ألمانيا وحيدًا على أمل لمّ شمل أسرته، لكن قرار التجميد أحبط هذه الآمال، تاركًا والدته في إدلب في حالة من الألم واليأس. كذلك، رامي، الشاب الثلاثيني الذي نجح في الاندماج بسوق العمل، لكنه يعاني الآن من إحباط شديد بسبب عدم قدرته على لمّ شمل زوجته وطفليه. أما ليندا، التي تعيش في ألمانيا مع ابنتها، فتواجه مخاوف مستمرة بسبب غياب زوجها، مما يؤثر على استقرار الأسرة نفسيًا واجتماعيًا.
لمّ الشمل كأداة ضغط سياسي أثار قرار تجميد لمّ الشمل لحاملي الحماية الفرعية جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية، حيث يرى استشاري اللجوء أحمد الأقرع أن القرار يتعارض مع المبادئ الدستورية الألمانية، وخاصة المادة 6 من الدستور والمادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ويشير إلى أن بعض المحاكم الألمانية اعتبرت القيود غير متناسبة، وأن الجهود القانونية مستمرة للطعن في القرارات المجحفة بحق اللاجئين.
هل يمثل لمّ الشمل ورقة للمناورة السياسية؟ وفقًا لدراسة حديثة، تحول ملف لمّ الشمل إلى ورقة سياسية في الحملات الانتخابية، خاصة من قبل الأحزاب المحافظة، مثل الاتحاد المسيحي الديمقراطي. تشير الدراسة إلى أن الحد من لمّ الشمل لا يقلل من تدفق الهجرة، بل يؤدي إلى تفكك الأسر وزيادة الأعباء الاجتماعية والنفسية على اللاجئين، مما يتناقض مع المواثيق الدولية.
يثير القرار تساؤلات جوهرية حول مدى مساهمته في تحقيق الاستقرار، أو زيادة تعقيد الأوضاع الإنسانية للاجئين في ألمانيا. ومع انتظار المصادقة النهائية على القانون، يبقى المستقبل غير واضح لكثير من الأسر التي تحلم بالاجتماع من جديد.