1. مقدمة
يشكل التعاون بين المنظمات الدولية والحكومات المحلية في مناطق النزاع وما بعد النزاع أداة حيوية لدعم الاستقرار والتنمية. في هذا السياق، تبرز أهمية تحليل الاتفاقية المفترضة الموقعة بين إحدى وكالات الأمم المتحدة (يشار إليها فيما يلي بـ “الأمم المتحدة”) والحكومة السورية، بمشاركة أربعة مصارف محلية، بهدف تمويل “مشروع الفائدة المدعومة”. تهدف هذه الورقة التحليلية إلى استكشاف الأبعاد المختلفة لهذه الاتفاقية، وتقييم جدواها المحتملة، وتحديد الآثار المتوقعة والتحديات الرئيسية التي قد تواجه تنفيذها ونجاحها في البيئة السورية المعقدة.
يركز التحليل على فهم آلية عمل المشروع المقترح، وأهدافه المعلنة والمحتملة، والفئات المستهدفة، والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مع الأخذ في الاعتبار القيود التي يفرضها الوضع الاقتصادي المتردي، والعقوبات الدولية، والتحديات التشغيلية والأمنية. يسعى التحليل للإجابة على السؤال المحوري: إلى أي مدى يمكن لمثل هذه الاتفاقية أن تساهم بفعالية في دعم التعافي الاقتصادي وتحسين سبل العيش في سوريا، وما هي المخاطر الكامنة التي يجب إدارتها لضمان تحقيق أهدافها بنزاهة وشفافية؟
2. خلفية وسياق
لفهم أبعاد الاتفاقية بشكل معمق، لا بد من استعراض السياق العام الذي تأتي فيه:
الوضع الاقتصادي والإنساني في سوريا: بعد أكثر من عقد من الصراع المدمر، يعاني الاقتصاد السوري من انهيار شبه كامل. تشمل التحديات الرئيسية تدمير البنية التحتية، انخفاض قيمة العملة بشكل حاد، معدلات تضخم مرتفعة للغاية، انتشار الفقر والبطالة على نطاق واسع، وتراجع كبير في الإنتاج الزراعي والصناعي. يعتمد جزء كبير من السكان على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. تفرض العقوبات الاقتصادية الدولية (مثل قانون قيصر الأمريكي وعقوبات الاتحاد الأوروبي) قيودًا إضافية على التجارة والاستثمار والوصول إلى التمويل، مما يزيد من تفاقم الأزمة. في هذا الإطار، تبدو الحاجة ماسة إلى مبادرات تحفز النشاط الاقتصادي وتدعم الفئات الأكثر ضعفًا.
دور الأمم المتحدة في سوريا: تعمل وكالات الأمم المتحدة المختلفة (مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، منظمة الأغذية والزراعة FAO، برنامج الأغذية العالمي WFP، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR) في سوريا منذ سنوات، مركزة بشكل أساسي على الاستجابة الإنسانية وتلبية الاحتياجات العاجلة. ومع ذلك، هناك توجه متزايد نحو دعم مشاريع “التعافي المبكر” و “سبل العيش” التي تهدف إلى بناء قدرة السكان على الصمود وتعزيز الاعتماد على الذات، ضمن القيود المفروضة سياسياً وتشغيلياً. يمكن اعتبار مشروع الفائدة المدعومة جزءًا من هذا التوجه.
القطاع المصرفي السوري: يواجه القطاع المصرفي السوري تحديات جمة. العديد من المصارف، خاصة الحكومية، تعاني من نقص السيولة، ضعف الأصول، ومحدودية القدرة على تقديم الائتمان. المصارف الخاصة، وإن كانت في وضع أفضل نسبيًا، تواجه صعوبات في التعامل مع القيود التشغيلية والمخاطر العالية والعقوبات الدولية التي تحد من قدرتها على إجراء المعاملات الدولية وتكوين علاقات مع مصارف مراسلة. مشاركة أربعة مصارف (لم تحدد هويتها بعد، ولكن قد تشمل مصارف حكومية وخاصة) في اتفاقية مع الأمم المتحدة قد يمثل فرصة لهذه المصارف لتوسيع نشاطها، ولكنه يعرضها أيضًا لمخاطر إضافية تتعلق بالامتثال والسمعة.
مفهوم الفائدة المدعومة: يهدف هذا النوع من المشاريع إلى جعل القروض ميسورة التكلفة للمقترضين النهائيين (أفراد أو شركات) عبر قيام طرف ثالث (في هذه الحالة، الأمم المتحدة و/أو الحكومة السورية) بتحمل جزء من تكلفة الفائدة. يُستخدم هذا النهج عادة لتحفيز الاستثمار في قطاعات معينة (كالزراعة أو المشاريع الصغيرة والمتوسطة)، أو لدعم فئات مستهدفة (كالشباب، النساء، العائدين، أو المزارعين الصغار)، أو لتشجيع تبني ممارسات معينة (مثل الزراعة المستدامة أو كفاءة الطاقة).
3. تحليل الأبعاد المختلفة
البعد الاقتصادي:
تحفيز الائتمان والنشاط الاقتصادي: من المرجح أن يكون الهدف الرئيسي للمشروع هو ضخ سيولة في شرايين الاقتصاد عبر تسهيل الحصول على قروض بتكلفة منخفضة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم المزارعين لشراء المدخلات، وبالتالي زيادة الإنتاج وخلق فرص عمل، ولو على نطاق محدود في البداية.
استهداف قطاعي: قد يركز المشروع على قطاعات حيوية لسبل العيش والأمن الغذائي مثل الزراعة، أو على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عصب أي اقتصاد وتوفر فرص عمل محلية. تحديد القطاعات المستهدفة بدقة سيكون عاملاً حاسماً في تقييم الأثر المحتمل.
دور المصارف: ستلعب المصارف الأربعة دور الوسيط المالي الرئيسي. يعتمد نجاح المشروع جزئيًا على قدرتها الإدارية والتشغيلية، وكفاءتها في تقييم طلبات القروض وإدارة المخاطر، والتزامها بمعايير الشفافية والنزاهة التي يفترض أن تضعها الأمم المتحدة.
مخاطر اقتصادية: هناك مخاطر محتملة، مثل احتمال زيادة التضخم إذا لم يقابل زيادة الائتمان زيادة مماثلة في الإنتاج الحقيقي. كما أن تقديم قروض مدعومة قد يخلق تشوهات في السوق الائتمانية. بالإضافة إلى ذلك، يبقى خطر تعثر المقترضين عن السداد قائمًا بقوة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، مما قد يؤثر على المصارف المشاركة.
البعد السياسي/الجيو-سياسي:
الأهداف السياسية المحتملة: قد تنظر الحكومة السورية إلى المشروع كوسيلة لتخفيف الضغط الاقتصادي، وإظهار قدرتها على جذب الدعم الدولي (ولو عبر الأمم المتحدة)، وتوجيه التمويل نحو قطاعات أو مناطق تعتبرها ذات أولوية سياسية أو اقتصادية.
حياد الأمم المتحدة: تواجه الأمم المتحدة تحديًا مستمرًا في الحفاظ على مبادئ الحياد والاستقلالية أثناء العمل في بيئة سياسية معقدة كـسوريا. يجب تصميم المشروع وتنفيذه بطريقة تضمن عدم استغلاله سياسياً وتوجيهه نحو المستفيدين الأكثر حاجة بغض النظر عن الانتماءات السياسية.
تأثير العقوبات: يمثل نظام العقوبات الدولية تحديًا كبيرًا. يجب على الأمم المتحدة والمصارف المشاركة التأكد بدقة من أن آليات التمويل وعمليات صرف القروض لا تنتهك أيًا من العقوبات المفروضة. قد يتطلب ذلك آليات تدقيق معقدة واستثناءات محتملة، مما يزيد من التكلفة الإدارية والبيروقراطية. أي خرق محتمل للعقوبات يعرض الأطراف المشاركة لمخاطر قانونية ومالية جسيمة.
المانحون الدوليون: غالبًا ما تعتمد وكالات الأمم المتحدة على تمويل من الدول المانحة. قد يكون موقف هؤلاء المانحين من دعم مشروع يتضمن تعاونًا مباشرًا مع الحكومة السورية ومصارف محلية (بعضها قد يكون خاضعًا لعقوبات) عاملاً مؤثرًا في استدامة المشروع وتمويله.
البعد الاجتماعي/الإنساني:
استهداف الفئات الضعيفة: يُفترض أن يركز المشروع، تماشيًا مع المبادئ الإنسانية، على دعم الفئات الأكثر ضعفًا وتضررًا من الصراع والأزمة الاقتصادية. قد يشمل ذلك صغار المزارعين، أصحاب المشاريع متناهية الصغر، الأسر التي تعيلها نساء، العائدين، والنازحين داخليًا. وضوح معايير الاستهداف وآليات التحقق ضرورية لضمان وصول الدعم لمستحقيه.
تحسين سبل العيش: يمكن للمشروع، إذا تم تنفيذه بفعالية، أن يساهم في تحسين دخل الأسر المستفيدة، وتعزيز قدرتها على الصمود، والمساهمة في الأمن الغذائي المحلي.
العدالة والمساواة: يجب ضمان عدم التمييز في الوصول إلى القروض بناءً على الدين أو العرق أو المنطقة الجغرافية أو أي عامل آخر. يتطلب ذلك آليات تقديم طلبات ومراجعة شفافة وعادلة، بالإضافة إلى جهود توعية للوصول إلى الفئات المهمشة أو التي قد تواجه صعوبة في الوصول للمعلومات أو المصارف.
البعد التشغيلي:
آلية دعم الفائدة: يجب أن تكون الآلية واضحة: كيف سيتم حساب الدعم؟ من سيقوم بدفعه (الأمم المتحدة مباشرة للمصرف، أم عبر آلية حكومية؟) ومتى؟
معايير الاختيار: يجب وضع معايير واضحة وموضوعية لاختيار كل من المستفيدين النهائيين (بناءً على الحاجة، الجدوى الاقتصادية للمشروع المقترح، القدرة على السداد) والمصارف المشاركة (بناءً على قدرتها المالية، انتشارها الجغرافي، التزامها بالمعايير).
المراقبة والتقييم: يعد وجود نظام قوي للمراقبة والتقييم (M&E) أمرًا بالغ الأهمية لتتبع استخدام الأموال، وقياس الأثر الفعلي للمشروع، وتحديد التحديات التشغيلية، ومنع الاحتيال والفساد. يجب أن تكون عمليات المراقبة مستقلة وشفافة قدر الإمكان.
المخاطر التشغيلية: تشمل المخاطر المحتملة البيروقراطية المفرطة، التأخير في صرف القروض، صعوبة الوصول إلى المستفيدين في بعض المناطق، نقص قدرات المصارف المحلية على إدارة مثل هذه المشاريع وفقًا للمعايير الدولية، ومخاطر الفساد أو المحسوبية في توزيع القروض.
4. تقييم وجهات النظر المختلفة (المحتملة)
الأمم المتحدة: سترى في المشروع فرصة لتوسيع نطاق عملها من الإغاثة إلى دعم التعافي المبكر، وتطبيق ولايتها في مساعدة السكان المتضررين، والمساهمة في الاستقرار الاقتصادي النسبي. قد تواجه ضغوطًا من المانحين وتحديات في ضمان الامتثال للمعايير والحياد.
الحكومة السورية: قد تعتبر المشروع دعمًا لاقتصادها، ووسيلة لتوجيه الموارد نحو أولوياتها، وتعزيزًا لشرعيتها عبر التعاون مع الأمم المتحدة. قد تكون هناك مخاوف بشأن شروط الأمم المتحدة المتعلقة بالشفافية والمراقبة.
المصارف المشاركة: تمثل الاتفاقية فرصة لزيادة حجم أعمالها وتحقيق أرباح (من الفارق بين تكلفة الأموال والفائدة المدفوعة من المقترض والجزء المدعوم)، وربما تحسين سمعتها عبر المشاركة في مشروع أممي. لكنها تتحمل مخاطر الائتمان ومخاطر الامتثال للعقوبات الدولية.
المستفيدون: يمثل المشروع فرصة طال انتظارها للحصول على تمويل ميسر قد يساعدهم على إعادة بناء حياتهم أو مشاريعهم. قد يواجهون صعوبات في تلبية الشروط، أو في التعامل مع الإجراءات البيروقراطية، أو في السداد لاحقًا إذا لم تتحسن الظروف الاقتصادية.
المنتقدون: قد يثير المشروع انتقادات من جهات تعتبره التفافًا على العقوبات، أو دعمًا غير مباشر للنظام، أو أنه غير كافٍ لمواجهة حجم الأزمة الاقتصادية. قد تُثار شكوك حول شفافية توزيع القروض واحتمالات الفساد أو وصول الأموال لجهات غير مستحقة.
5. تحديد الآثار والعواقب المحتملة
الآثار الإيجابية:
زيادة محدودة في الاستثمار والإنتاج في القطاعات المستهدفة.
خلق بعض فرص العمل المؤقتة أو الدائمة.
تحسين دخل وظروف معيشة الأسر المستفيدة بشكل مباشر.
دعم الأمن الغذائي إذا تم استهداف القطاع الزراعي بفعالية.
بناء قدرات المصارف المحلية (إذا تم تضمين مكون بناء القدرات).
الآثار السلبية والمخاطر:
احتمال ضئيل للتأثير على المؤشرات الاقتصادية الكلية (تضخم، سعر صرف) نظرًا للحجم المحدود المتوقع للمشروع مقارنة بحجم الاقتصاد المنهار.
زيادة عبء الديون على المستفيدين إذا فشلت مشاريعهم.
استبعاد غير مقصود أو مقصود لبعض الفئات أو المناطق.
مخاطر عالية مرتبطة بتحويل الأموال أو استخدامها في غير أغراضها (فساد، محسوبية).
مخاطر قانونية ومالية كبيرة على الأمم المتحدة والمصارف في حال انتهاك العقوبات.
مخاطر السمعة لجميع الأطراف إذا فشل المشروع أو شابه الفساد.
احتمال خلق اعتمادية على الدعم بدلاً من تعزيز الاستدامة الذاتية إذا لم يتم تصميم المشروع بشكل جيد.
6. الاستنتاجات
تمثل اتفاقية تمويل “مشروع الفائدة المدعومة” بين الأمم المتحدة وسوريا وأربعة مصارف مبادرة تحمل في طياتها إمكانات إيجابية لدعم التعافي الاقتصادي المحدود وتحسين سبل العيش في ظل ظروف بالغة الصعوبة. يمكن للمشروع أن يوفر شريان حياة للعديد من الأفراد والمشاريع الصغيرة، خاصة إذا تم استهداف القطاعات الحيوية والفئات الأكثر ضعفًا بفعالية.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة محفوف بتحديات هائلة ومخاطر كبيرة. البيئة التشغيلية في سوريا معقدة للغاية بسبب الصراع المستمر، والوضع الاقتصادي المتردي، ونظام العقوبات الدولي المعقد، وضعف المؤسسات، ومخاطر الفساد.
يتطلب تنفيذ المشروع بنجاح تصميمًا دقيقًا لآليات العمل، ومعايير اختيار شفافة وعادلة، ونظام مراقبة وتقييم صارم ومستقل، وإدارة حذرة للغاية لمخاطر الامتثال للعقوبات.
إن الموازنة بين تحقيق الأثر الإنساني والتنموي المنشود، والحفاظ على حياد الأمم المتحدة واستقلاليتها، وتجنب المخاطر السياسية والمالية والقانونية، ستكون هي المعادلة الأصعب. يعتمد نجاح المشروع بشكل حاسم على مدى قدرة الأطراف المشاركة، وخاصة الأمم المتحدة، على فرض وتطبيق معايير عالية من الشفافية والمساءلة وإدارة المخاطر في كل مرحلة من مراحل التنفيذ. بدون هذه الضمانات، قد تكون الآثار السلبية المحتملة أكبر من الفوائد المرجوة.
7. التوصيات (مقترحة)
للأمم المتحدة:
نشر تفاصيل الاتفاقية وآليات عمل المشروع ومعايير الاستهداف للعموم لضمان أقصى درجات الشفافية.
تصميم وتنفيذ نظام مراقبة وتقييم قوي ومستقل، يشمل آليات للتحقق من طرف ثالث وتقارير دورية شفافة.
وضع آليات صارمة للعناية الواجبة والتحقق لضمان الامتثال الكامل للعقوبات الدولية وتجنب أي انحراف للأموال.
التركيز على بناء قدرات المصارف المحلية والمستفيدين لتعزيز الاستدامة.
تأسيس آلية فعالة لتلقي ومعالجة الشكاوى من المستفيدين والجمهور.
للحكومة السورية:
توفير بيئة تشغيلية آمنة وميسرة لعمل المشروع دون تدخلات غير مبررة.
التعاون في تسهيل وصول فرق المراقبة والتقييم المستقلة.
دعم جهود الشفافية ومكافحة الفساد المرتبط بالمشروع.
للمصارف المشاركة:
الاستثمار في تعزيز قدراتها في إدارة الائتمان وتقييم المخاطر وفقًا للمعايير الدولية.
الالتزام الصارم بمتطلبات الامتثال للعقوبات والمعايير التي تضعها الأمم المتحدة.
تطبيق معايير الشفافية والعدالة في التعامل مع طلبات القروض.
للمانحين والمجتمع الدولي:
ربط التمويل المستمر للمشروع بتحقيق نتائج قابلة للقياس وبالالتزام بمعايير الشفافية والمساءلة.
دعم جهود الأمم المتحدة في إدارة المخاطر المتعلقة بالعقوبات وتقديم الإرشادات اللازمة إذا أمكن.