في 15 يناير 2025، أدلى نيكولاي باتروشيف، مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتصريحات لافتة أثارت اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية، حيث تحدث عن مستقبل أوكرانيا ومولدوفا في سياق الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا. وفقًا لتصريحات باتروشيف، تتوقع روسيا أن أوكرانيا قد “تزول من الوجود” بحلول نهاية عام 2025، كما أعرب عن احتمال أن تصبح مولدوفا جزءًا من دولة أخرى بسبب سياساتها المعادية لروسيا. هذه التصريحات تفتح الباب أمام عدة سيناريوهات محتملة تتعلق بالمنطقة، وسنقوم بتحليل هذه السيناريوهات وتقييم الاحتمالات المختلفة وأسباب كل منها.
السيناريوهات المستقبلية المحتملة:
سيناريو التصعيد العسكري الروسي (احتمالية متوسطة إلى عالية)
التفاصيل: في هذا السيناريو، تتخذ روسيا خطوة تصعيدية عبر التوسع في العمليات العسكرية في أوكرانيا. قد تشمل هذه العمليات استهداف أهداف جديدة في المدن الأوكرانية الكبرى أو محاولة السيطرة على أراضٍ إضافية، سواء في شرق أوكرانيا أو في مناطق أخرى قرب البحر الأسود. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتدخل روسيا بشكل أكبر في الشؤون الداخلية لمولدوفا، خاصة في منطقة ترانسنيستريا، لدعم الانفصاليين الموالين لموسكو. قد يترافق ذلك مع تهديدات باستخدام أسلحة أكثر تطورًا أو تكثيف الحصار الاقتصادي.
المبررات:
الطموحات الروسية: باتروشيف وغيره من المسؤولين الروس يعتقدون أن أوكرانيا تمثل تهديدًا استراتيجيًا لروسيا وأن تقوية هذا التهديد يتطلب إضعاف أوكرانيا بشكل دائم. الإعلان عن “زوال أوكرانيا” قد يكون تمهيدًا لتصعيد الإجراءات العسكرية لتحقيق هذا الهدف.
الضغط الغربي: روسيا قد تكون عازمة على إظهار قوتها أمام الغرب ومؤسسات مثل الناتو، خاصة في ظل الدعم العسكري الذي تقدمه دول الغرب لأوكرانيا.
حسابات أمنية: موسكو تعتبر أن تدمير أوكرانيا كدولة ذات سيادة أمر حيوي لحماية أمنها الوطني. إذا أصبحت أوكرانيا نقطة انطلاق للمناورات العسكرية الغربية، فإن روسيا قد تشعر أن التصعيد العسكري هو السبيل الوحيد للحد من هذا التهديد.
العوامل المعرقلة:
الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا: كلما توسعت روسيا في العمليات العسكرية، زادت الضغوط الغربية على موسكو، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والمساعدات العسكرية المستمرة لأوكرانيا، مما قد يقوض قدرتها على تحقيق أهدافها.
- التهديدات الدولية: تصعيد عسكري موسع قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع دول الناتو، وربما يدخل الغرب في صراع مباشر مع روسيا.
- الأزمات الداخلية في روسيا: يمكن أن يؤدي التصعيد العسكري إلى استنزاف موارد روسيا الاقتصادية والعسكرية، خاصة في وقت تعاني فيه من العقوبات الاقتصادية والأزمات الاقتصادية الداخلية.
- احتمالية حدوثه: متوسطة إلى عالية، بسبب التاريخ الطويل للتصعيد العسكري في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى تصريحات باتروشيف التي تؤكد إمكانية التصعيد.
سيناريو الضغط السياسي والاقتصادي (احتمالية عالية)
التفاصيل: في هذا السيناريو، قد تختار روسيا تكثيف الضغوط السياسية والاقتصادية على أوكرانيا ومولدوفا دون اللجوء إلى التصعيد العسكري المباشر. تشمل هذه الضغوط تعزيز التعاون مع الانفصاليين في شرق أوكرانيا وفي ترانسنيستريا (مولدوفا)، إلى جانب التحريض الإعلامي الروسي ضد الحكومات في كلا البلدين، والتوسع في استخدام أساليب الحرب الهجينة مثل الهجمات السيبرانية وحرب المعلومات. روسيا قد تعمل على تعزيز وضعها في هذه المناطق عن طريق دعم الانقلابات السياسية أو التحركات الانفصالية.
المبررات:
المصالح الروسية: من خلال استخدام تكتيكات حرب غير مباشرة، يمكن لروسيا تحقيق أهدافها في أوكرانيا ومولدوفا دون المخاطرة بحرب شاملة قد تؤدي إلى خسائر كبيرة. الضغط السياسي والاقتصادي يوفر لها وسيلة فعالة لتحقيق أهدافها مع الحفاظ على مستوى منخفض من التصعيد.
الدعم الغربي لأوكرانيا: بالنظر إلى الدعم المستمر من الغرب لأوكرانيا، فإن روسيا قد تختار الابتعاد عن التصعيد العسكري المباشر لتجنب التصعيد مع الناتو.
العوامل المعرقلة:
- المقاومة الأوكرانية: الشعب والحكومة الأوكرانية في حالة من المقاومة الشديدة لأي تدخل روسي، وتدعمها الدول الغربية في هذا الصدد.
- الضغوط الدولية: ستؤدي أي تحركات روسية لزيادة الضغط على أوكرانيا ومولدوفا إلى زيادة العزلة الدولية لروسيا، مع فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية التي قد تؤثر على الاقتصاد الروسي.
- إمكانية رد فعل عنيف: أي ضغط روسي على حكومات أوكرانيا أو مولدوفا قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة سواء من جانب الحكومات نفسها أو من المجتمع الدولي.
- احتمالية حدوثه: عالية، نظرًا لأن روسيا قد تفضل هذه الاستراتيجية كبديل أقل تكلفة مقارنة بالتصعيد العسكري المباشر.
سيناريو التفاوض ووقف التصعيد (احتمالية متوسطة)
التفاصيل: في هذا السيناريو، يظهر احتمال قيام الأطراف المعنية (أوكرانيا، روسيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) بالتفاوض بشكل جاد من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف التصعيد. قد يتم ذلك عبر وساطات دبلوماسية، مثل وساطة محتملة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان قد أشار في تصريحات سابقة إلى إمكانية التفاوض مع بوتين لإنهاء الصراع. قد تتضمن المفاوضات تنازلات من كلا الطرفين، بما في ذلك ضمانات أمنية لأوكرانيا وتنازلات حول المنطقة الشرقية.
المبررات:
الضغوط الاقتصادية والعسكرية: يمكن أن تدفع الخسائر العسكرية والاقتصادية المتزايدة روسيا وأوكرانيا إلى البحث عن حلول دبلوماسية للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
الرغبة في التهدئة: في سياق التوترات الجيوسياسية العالمية، قد تكون هناك رغبة دولية في تجنب تصعيد شامل في أوروبا الشرقية.
العوامل المعرقلة:
- عدم الثقة المتبادلة: روسيا وأوكرانيا لا يثقون ببعضهم البعض بعد سنوات من الحرب والصراع.
- شروط الاتفاق: من الصعب أن يتفق الطرفان على شروط مشتركة لوقف التصعيد بسبب الخلافات الجذرية في المواقف.
- احتمالية حدوثه: متوسطة، لأنه يعتمد بشكل كبير على تغيرات غير متوقعة في مواقف الأطراف المعنية.
سيناريو استمرار الوضع الراهن (احتمالية عالية)
التفاصيل: في هذا السيناريو، يستمر الوضع القائم في أوكرانيا ومولدوفا من دون أي تغييرات جذرية. قد تستمر العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ضمن نطاق محدود، مع استمرار الدعم الدولي لأوكرانيا. كما قد تستمر روسيا في ضغطها على مولدوفا عبر دعم الانفصاليين في ترانسنيستريا، ولكن دون أن تحدث تغييرات كبيرة في الأوضاع العسكرية.
المبررات:
استمرار الدعم الغربي: يساعد الدعم المستمر من الغرب لأوكرانيا في إبطاء أي تقدم عسكري روسي جديد.
حالة الجمود: قد تكون روسيا راضية عن الوضع الراهن من خلال فرض تأثيرات غير مباشرة على أوكرانيا.
العوامل المعرقلة:
عدم رغبة الأطراف في التصعيد: رغم التصريحات العدائية، قد تكون الأطراف الرئيسية غير راغبة في التصعيد العسكري الكامل بسبب التكلفة البشرية والاقتصادية.
احتمالية حدوثه: عالية، حيث إن الوضع الراهن مستمر بالفعل، وهناك استقرار نسبي في بعض المناطق رغم التصعيد العسكري المحدود.
سيناريو انهيار النظام في أوكرانيا أو مولدوفا (احتمالية منخفضة)
التفاصيل: هذا السيناريو ينطوي على انهيار النظام السياسي في أوكرانيا أو مولدوفا نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية. يمكن أن يؤدي الصراع المستمر إلى تفكك النظام السياسي أو إلى انقلاب داخلي، ما يفتح المجال لتدخل روسي مباشر في البلدين.
المبررات:
الضغوط العسكرية والاقتصادية: استمرار الصراع قد يؤدي إلى انهيار الهياكل السياسية في أوكرانيا أو مولدوفا.
خلال صراع مستمر ومعقد مثل هذا، تكون الأنظمة السياسية في الدول المعنية عرضة لضغوط هائلة على عدة جبهات. في أوكرانيا، قد تتسبب العمليات العسكرية الروسية المستمرة وتدمير البنية التحتية الحيوية في تقويض قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية والحفاظ على النظام. أيضًا، الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الحرب يمكن أن تضعف الاقتصاد الوطني بشكل كبير، مما يؤدي إلى نقص الموارد وانخفاض الثقة الشعبية في الحكومة.
في مولدوفا: إذا استمرت روسيا في دعم الانفصاليين في ترانسنيستريا وتعزيز تدخلها في الشؤون الداخلية، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار الحكومة المركزية. الدعم الروسي للانفصاليين يمكن أن يعمق الانقسامات الداخلية ويزيد من التوترات السياسية، مما يجعل من الصعب على الحكومة المولدوفية الحفاظ على السيطرة والاستقرار.
العوامل المعرقلة:
الدعم الدولي: الدعم الغربي لأوكرانيا والمساعدة السياسية لمولدوفا تقوي من استقرار الأنظمة الحاكمة.
تلعب المساعدات الدولية دورًا حاسمًا في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي للدول المتضررة من الصراعات. في حالة أوكرانيا، يشمل الدعم الدولي المساعدات العسكرية والاقتصادية من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والتي تعزز من قدرة الحكومة الأوكرانية على المقاومة والصمود. هذا الدعم يمكن أن يتضمن توفير الأسلحة والدعم الفني والمالي اللازم لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة.
في مولدوفا: يمكن أن يساعد الدعم السياسي من المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على تعزيز شرعية الحكومة المركزية وتقوية مؤسساتها. أيضًا، المساعدات المالية والمشاريع التنموية يمكن أن تساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مما يعزز من ثقة الشعب بالحكومة ويحد من تأثير الضغوط الانفصالية المدعومة من روسيا.
احتمالية حدوثه:
منخفضة، بالنظر إلى الدعم الدولي الذي يحصل عليه كلا البلدين.
بالنظر إلى المستوى العالي من الدعم الدولي الذي تتلقاه أوكرانيا ومولدوفا، فإن احتمالية انهيار الأنظمة السياسية في هذين البلدين تبقى منخفضة. الدعم المستمر من الدول الغربية والمؤسسات الدولية يعمل كعامل استقرار قوي، يحول دون انهيار الهياكل السياسية رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها بسبب الصراع المستمر. هذا الدعم يشمل تقديم الدعم العسكري، الاقتصادي، والسياسي، والذي يشكل حاجزًا ضد أي محاولات لزعزعة الاستقرار من قبل القوى الخارجية مثل روسيا.
الرصد والتحليل والمقارنة بين السيناريوهات:
- السيناريو الأكثر احتمالًا: سيناريو الضغط السياسي والاقتصادي. نظرًا للوضع الحالي، تفضل روسيا استخدام الضغط غير العسكري ضد أوكرانيا ومولدوفا للحفاظ على الوضع القائم دون مواجهة مواجهة عسكرية شاملة.
- السيناريو الأقل احتمالًا: سيناريو انهيار النظام. على الرغم من الأزمة القائمة، إلا أن الدعم الدولي لأوكرانيا ومولدوفا يعد مانعًا رئيسيًا أمام هذا السيناريو.
- السيناريو المفضل للمجتمع الدولي: هو التفاوض ووقف التصعيد، حيث يمثل أقل الخيارات تكلفة على المدى الطويل بالنسبة للأطراف المختلفة.
إجراءات التعامل مع السيناريو المرجح:
- تعزيز الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا ومولدوفا: يجب على الغرب مواصلة دعم أوكرانيا والمساعدة في تعزيز قدراتها الدفاعية والاقتصادية.
- زيادة الضغط على روسيا من خلال العقوبات الاقتصادية: فرض المزيد من العقوبات الدولية على روسيا لتقويض قدرتها على التصعيد العسكري.
- تعزيز الجهود الدبلوماسية: يجب على الدول الغربية والعمل عبر منظمات مثل الأمم المتحدة الضغط على الأطراف للتفاوض وإيجاد حلول سلمية للحفاظ على استقرار المنطقة.
الخاتمة:
تُبرز تصريحات نيكولاي باتروشيف حول أوكرانيا ومولدوفا تعقيدات الصراع الروسي-الأوكراني وأبعاده الإقليمية والدولية. مع تعدد السيناريوهات المحتملة، يبرز سيناريو الضغط السياسي والاقتصادي كالأكثر ترجيحًا في المدى القريب، نظرًا لتفضيل روسيا الخيارات غير العسكرية ذات الكلفة الأقل، مع استمرار الدعم الدولي لأوكرانيا ومولدوفا. ومع ذلك، يبقى تحقيق التفاوض ووقف التصعيد الخيار الأمثل دوليًا لتجنب مزيد من التصعيد. في هذا السياق، تظل الجهود الدبلوماسية والدعم الغربي عوامل حاسمة في تحديد مسار الأحداث المستقبلية في المنطقة.