في خضم دوي الانفجارات وأعمدة الدخان المتصاعدة من المنشآت الإيرانية بفعل الهجمات الإسرائيلية في يونيو 2025، انطلقت على نحوٍ مفارق جولة محمومة من الاتصالات الدبلوماسية. فالهجوم الذي هدف إلى شلّ قدرات إيران العسكرية وفرض واقع أمني جديد، أدى على نحو غير متوقع إلى فتح قنوات اتصال مباشرة بين طهران وواشنطن كانت شبه مجمّدة. إن هذا المشهد، الذي تتداخل فيه رائحة البارود مع رنين الهواتف بين المبعوثين عباس عراقجي وستيف ويتكوف، يُشكّل نموذجًا دراسيًا فريدًا في إدارة الأزمات الدولية المعاصرة.
لا تكتفي هذه الورقة التحليلية برصد تسلسل الأحداث، بل تغوص في تحليل الاستراتيجيات الخفية التي تحرك الأطراف. وتستند إلى فرضية أساسية مفادها أن النشاط الدبلوماسي الجاري لا يُعد محاولة لوقف إطلاق النار فقط، بل ساحة صراع غير متكافئ تخوضه إيران بذكاء سياسي، تسعى من خلاله إلى تسليح موقعها كضحية وتحويل ضعفها العسكري اللحظي إلى ورقة ضغط سياسية فعالة، تربط بشكل عضوي بين أمنها الإقليمي وبرنامجها النووي.
المناورة الإيرانية: تحويل الأزمة إلى فرصة تفاوضية
يعكس النص استراتيجية إيرانية محكمة المعالم. فشرط طهران الحاسم، الذي نقله عراقجي بصرامة: “لن نعود للمفاوضات ما لم توقف إسرائيل الهجمات”، لا يُعد مجرّد موقف دفاعي، بل مناورة ذكية ذات أبعاد استراتيجية ثلاثية:
قلب الطاولة على واشنطن من خلال هذا الشرط، تعيد إيران صياغة العلاقة التفاوضية. فبدل أن تكون في موقع المتلقي لشروط واشنطن، تفرض عليها اشتراطًا مقابلًا. يتبدّل دور المبعوث الأمريكي من مفاوض ضاغط إلى طرف مطالب بـ”عربون حسن نية”، وهو الضغط على إسرائيل. إنها إعادة توزيع للأدوار الدبلوماسية بمهارة لافتة.
ربط الملفات الاستراتيجية العرض الإيراني “المبطّن” لإبداء مرونة في الملف النووي مقابل وقف العدوان العسكري هو لُب المناورة. في ضوء نظريات إدارة الأزمات، كما في دراسات تشاتام هاوس، فإن الدول تحت الضغط غالبًا ما تربط الملفات لتقوية موقفها التفاوضي. هنا، تطالب إيران بـ”عقيدة أمنية بديلة”، تدمج بين ملفها النووي وخطوطها الحمراء الإقليمية، وترفع سعر التنازلات النووية لتشمل ضمانات مباشرة لأمنها القومي.
عزل إسرائيل دبلوماسيًا من خلال تصوير الهجمات على أنها “ضربة غير مسبوقة للدبلوماسية”، تستخدم إيران خطابًا موجّهًا إلى الرأي العام والمجتمع الدولي لتجريم إسرائيل كمعطِّلة للسلام. الهدف هو تحقيق شرخ معنوي بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، وإخراج إسرائيل من مربع التنسيق الغربي الموحد.
المعضلة الأمريكية: الانقسام بين التحالف وخفض التصعيد
على الجانب الآخر من الاتصال، تبدو واشنطن قلقة من تحول التصعيد إلى حرب إقليمية لا يمكن احتواؤها، تتعارض مع سياسة إدارة ترامب لتقليص الانخراط في الشرق الأوسط.
تعيش الولايات المتحدة معضلة مركبة بين:
الوفاء بتحالفها مع إسرائيل دعم واشنطن التقليدي لـ”حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” يُصعّب عليها الطلب العلني بوقف الهجمات، خاصة إن كان هناك ضوء أخضر غير مباشر أو غضّ طرف مسبق. أي ضغط أميركي معلن يُعد مخاطرة سياسية داخلية وخارجية عالية التكلفة.
الحاجة لاحتواء الأزمة في المقابل، تدرك واشنطن أن استمرار الهجمات قد يؤدي إلى إشعال الجبهة اللبنانية، أو استهداف مصالح أميركية في العراق والخليج. استقرار أسواق الطاقة وأمن القوات الأميركية في خطر.
اقتراح واشنطن السابق بإنشاء “كونسورتيوم إقليمي للتخصيب” يبدو حاليًا مجرد صدى لمرحلة سابقة. الواقع الجديد الذي فرضته المواجهة أجبر المفاوضين على تعديل سلم الأولويات: وقف إطلاق النار أولًا، ثم الحديث عن أي ترتيبات تقنية لاحقًا.
المسار الأوروبي: هامش المناورة الضيق
في الوقت ذاته، يتحرك الثلاثي الأوروبي (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي للدعوة إلى اجتماع طارئ في جنيف. ورغم وجاهة المبادرة، فإن التركيز الأوروبي على الجوانب التقنية والضمانات النووية السلمية أصبح معزولًا عن واقع الأزمة الساخن.
صوت أوروبا يبدو كأنه ينتمي إلى مرحلة تفاوضية سابقة، حيث يسود القانون والآليات الفنية، لا منطق الحرب والمقايضات الصعبة. وحين تدخل الأزمة نطاق “الدبلوماسية تحت النار”، تنحسر أدوار الوسطاء التقليديين، وتتصدر المشهد الأطراف ذات التأثير المباشر: واشنطن وطهران.
هذا التراجع النسبي للنفوذ الأوروبي يُعيد تكرار السيناريوهات السابقة، كما في مفاوضات فيينا 2013 و2021، حين تحولت العواصم الأوروبية إلى ساحات لقاء، دون أن تمتلك أدوات التأثير الحاسمة على النتائج.
خاتمة: قواعد تفاوض جديدة تُكتب في لحظة حرجة
تُبرز هذه الجولة من “الدبلوماسية تحت النار” تحوّلًا جوهريًا في ديناميات التفاوض. لقد نجحت إيران، من موقع الضعف العسكري، في فرض معادلة تفاوضية جديدة تُجبر واشنطن على تقديم التزامات أولية قبل استئناف الحوار.
الأيام المقبلة ستمثّل اختبارًا حاسمًا لقدرة إدارة ترامب على التوفيق بين دعم إسرائيل واحتواء التصعيد الإقليمي. وقد أصبح واضحًا أن أي اتفاق نووي مستقبلي لن يمر عبر المختبرات التقنية في فيينا وحدها، بل عبر التوازنات السياسية الحساسة بين واشنطن وتل أبيب، وضمن سياق أمني إقليمي أكثر هشاشة وتعقيدًا.
لقد خلطت الهجمات الإسرائيلية الأوراق بشكل متناقض، ولكنها منحت طهران ورقة تفاوض لم تكن تملكها بهذه القوة من قبل.
المراجعة
Google Pixel
A wonderful serenity has taken possession of my entire soul, like these sweet mornings of spring which I enjoy with my whole heart. I am alone, and feel the charm of existence in this spot, which was created for the bliss of souls like mine. Gregor then turned to look out the window at the dull weather. Drops of rain could be heard hitting the pane, which made him feel quite sad.
الإيجابيات
- Good low light camera
- Water resistant
- Double the internal capacity
سلبيات
- Lacks clear upgrades
- Same design used for last three phones
- Battery life unimpressive
Google Pixel عروض
نقوم بجمع المعلومات من العديد من المتاجر للحصول على أفضل الأسعار المتاحة