في منعطف حاسم من تاريخ العلاقات الدولية، حيث تتآكل أسس النظام الذي تشكل بعد الحرب الباردة، يبرز متغير جديد يعيد رسم خرائط القوة والتوازنات الاستراتيجية على نحو جذري. لم يعد الأمر مجرد تكهنات أو تحليلات مستقبلية، بل حقيقة دامغة تؤكدها كبرى المؤسسات البحثية الدولية: الترسانة النووية الصينية لا تتوسع فحسب، بل تشهد قفزة نوعية وكمية تضعها في مسار تصادمي محتمل مع عقود من الاستقرار النووي النسبي. يكشف تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، مدعوماً بتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية، عن وتيرة نمو غير مسبوقة، مما يدفعنا إلى طرح سؤال جوهري: هل نحن أمام مجرد تحديث لسياسة “الردع الأدنى” التي طالما تبنتها بكين، أم أننا نشهد ولادة عقيدة استراتيجية جديدة قد تحول الردع إلى سباق تسلح مفتوح، وتزيد من مخاطر الانزلاق نحو كارثة لا يمكن تصورها؟
من “الحد الأدنى” إلى “الردع المؤكد”: قراءة في الأرقام وما وراءها
لفهم أبعاد التحول، لا بد من التوقف عند الأرقام التي تقدمها التقارير المتخصصة. يشير تقرير SIPRI لعام 2024 إلى أن الترسانة النووية الصينية قد ارتفعت من حوالي 410 رؤوس حربية في يناير 2023 إلى ما يقدر بـ 500 رأس حربي في يناير 2024، وهو ما يتجاوز كل التوقعات السابقة. الأكثر إثارة للقلق هو المسار المستقبلي؛ حيث تتوقع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في تقريرها السنوي حول القوة العسكرية الصينية، أن بكين قد تمتلك ما يزيد عن 1000 رأس نووي عامل بحلول عام 2030، مع استمرار النمو بعد ذلك.
لكن القصة لا تكمن في العدد فحسب، بل في التحول النوعي للقدرات. فبعد عقود من الاعتماد على عدد محدود من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) ذات الوقود السائل والمخزنة في صوامع ثابتة، تستثمر الصين بكثافة في بناء “ثالوث نووي” متكامل وموثوق. ويشمل هذا:
القوة الصاروخية الأرضية: تطوير ونشر صواريخ باليستية عابرة للقارات تعمل بالوقود الصلب، مثل صاروخ (DF-41)، والتي يمكن إطلاقها بسرعة أكبر من منصات متحركة، مما يجعلها أكثر قدرة على البقاء في مواجهة ضربة أولى. كما تم رصد بناء مئات من صوامع الإطلاق الجديدة في الصحاري الغربية للصين، مما يشير إلى نية واضحة لزيادة عدد الصواريخ الجاهزة للإطلاق.
القوة البحرية: تعزيز أسطول الغواصات الحاملة للصواريخ الباليستية (من طراز Jin-class Type 094)، وتزويدها بصواريخ (JL-3) الأحدث مدى، مما يمنح الصين قدرة “ضربة ثانية” حقيقية ومستمرة من أعماق المحيطات.
القوة الجوية: العمل على تطوير قاذفة استراتيجية شبحية جديدة (H-20)، قادرة على حمل أسلحة نووية، لإكمال أضلاع الثالوث ومنح بكين خيارات استهداف مرنة وبعيدة المدى.
هذا التحديث الشامل يتجاوز بوضوح متطلبات عقيدة “الردع الأدنى” التقليدية، وينقل الصين إلى مستوى “الردع المؤكد” ، وهو ما يعني ضمان القدرة على امتصاص ضربة نووية أولى وتوجيه رد انتقامي مدمر. هذا التحول هو جوهر القلق الدولي، فهو يغير قواعد اللعبة التي استقرت لعقود بين واشنطن وموسكو.
الدوافع الخفية: مزيج من الخوف والطموح
لا يمكن تفسير هذا التسارع الهائل بمعزل عن السياق الجيوسياسي الذي ترى الصين نفسها فيه. فمن منظور بكين، هناك مجموعة من الدوافع المترابطة التي تجعل من هذا التوسع ضرورة استراتيجية وليست مجرد خيار.
أولاً، “الهاجس الأمريكي”: تنظر القيادة الصينية بقلق متزايد إلى التطور الهائل في أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية (مثل أنظمة Aegis و THAAD المنتشرة في المنطقة)، فضلاً عن القدرات الأمريكية في مجال الضربات التقليدية الدقيقة بعيدة المدى. من وجهة نظر استراتيجية، تقلل هذه الأنظمة من فعالية الترسانة الصينية الصغيرة، وتهدد بتقويض قدرتها على الرد، مما دفع بكين إلى استنتاج مفاده أن الطريقة الوحيدة لضمان الردع هي زيادة عدد الرؤوس الحربية ومنصات الإطلاق بشكل كبير لـ “إغراق” أي نظام دفاعي محتمل.
ثانياً، “ملف تايوان”: يمثل الوضع في تايوان المحرك الأكثر إلحاحاً. فبينما تسعى الصين إلى تحقيق “إعادة التوحيد”، فإنها تدرك أن التدخل العسكري الأمريكي هو العقبة الأكبر. تعمل الترسانة النووية الموسعة كرادع استراتيجي مصمم لرفع تكلفة أي تدخل أمريكي في نزاع محتمل حول تايوان إلى مستوى لا يمكن قبوله، وبالتالي شل الإرادة السياسية في واشنطن. إنها رسالة واضحة مفادها أن المخاطر قد تتصاعد إلى المستوى النووي.
ثالثاً، “مكانة القوة العظمى”: يتماشى هذا التوسع مع رؤية الرئيس شي جين بينغ الطموحة ببناء “قوة عسكرية من الطراز العالمي” بحلول منتصف القرن. في ذهنية القوى الكبرى، لا يمكن فصل المكانة الدولية عن القوة العسكرية، وتعتبر الترسانة النووية القوية رمزاً أساسياً لهذه المكانة، وأداة لا غنى عنها لفرض النفوذ على الساحة العالمية ومضاهاة الولايات المتحدة وروسيا.
ازدواجية المعايير أم حتمية استراتيجية؟
غالباً ما تدافع بكين عن برنامجها بالإشارة إلى ما تعتبره “ازدواجية في المعايير” لدى الغرب، حيث يتم التركيز على الترسانة الصينية بينما يُغض الطرف نسبياً عن الترسانة الإسرائيلية غير المعلنة، وتُفرض عقوبات قاسية على طموحات دول أخرى مثل إيران. ورغم أن هذا الخطاب يحمل أبعاداً سياسية تهدف إلى كسب التأييد الدبلوماسي، إلا أنه يتجاهل حقيقة جوهرية: الصين قوة عظمى، وتغييرها الجذري لسياستها النووية له تداعيات عالمية لا يمكن مقارنتها ببرامج الدول الأخرى.
إن سياسة “عدم المبادرة بالاستخدام” ، التي لا تزال الصين تلتزم بها رسمياً، تبدو مهددة بفعل هذا التوسع الهائل. فبينما تطمئن هذه السياسة نظرياً، يتساءل المحللون عما إذا كانت ستصمد في ظل سيناريو تتعرض فيه القيادة الصينية أو قواتها النووية لهجوم تقليدي ساحق. إن الغموض الذي يكتنف هذه السياسة في ظل القدرات الجديدة يخلق حالة من عدم اليقين تزيد من خطورة أي أزمة مستقبلية.
نحو عالم ثلاثي الأقطاب وأكثر خطورة
إن صعود الترسانة النووية الصينية ليس مجرد إضافة رقمية إلى معادلة القوى العالمية، بل هو إيذان بنهاية حقبة الاستقرار النووي ثنائي القطب بين الولايات المتحدة وروسيا، وبداية عصر جديد ثلاثي الأقطاب، أكثر تعقيداً وخطورة بطبيعته. فالتفاعلات بين ثلاث قوى نووية كبرى تزيد بشكل كبير من احتمالات سوء التقدير، وتجعل من آليات الحد من التسلح التقليدية، المصممة لعالم ثنائي، أمراً عفا عليه الزمن.
وكما يحذر الخبراء، فإن هذا السباق المتصاعد بين قوى تمتلك خلافات جيوسياسية عميقة، قد يقود العالم إلى حافة الهاوية. لم تعد الحرب النووية مجرد ذكرى من مخلفات الحرب الباردة، بل أصبحت احتمالاً يتزايد ببطء مع كل صاروخ جديد يدخل الخدمة وكل صومعة جديدة يتم بناؤها. إن التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي اليوم ليس فقط احتواء هذا السباق، بل ابتكار إطار جديد للحوار الاستراتيجي والشفافية وبناء الثقة، إطار يضم بكين كطرف أساسي، قبل أن يتحول ظل التنين النووي إلى ظلام يبتلع الكوكب بأسره.
المراجعة
Apple macOS Sierra
A wonderful serenity has taken possession of my entire soul, like these sweet mornings of spring which I enjoy with my whole heart. I am alone, and feel the charm of existence in this spot, which was created for the bliss of souls like mine. Gregor then turned to look out the window at the dull weather. Drops of rain could be heard hitting the pane, which made him feel quite sad.
الإيجابيات
- Good low light camera
- Water resistant
- Double the internal capacity
سلبيات
- Lacks clear upgrades
- Same design used for last three phones
- Battery life unimpressive